المادة    
وبذلك نصل إلى نقد قضية التدين في هذه العصور؛ فلننظر إلى ما كتبه أحد العلماء الغربيين عن أديان ما قبل التاريخ.
هناك علماء أقرب إلى النظرة العقلية السليمة في هذا الموضوع، وهو أنهم قالوا: لنفترض أننا ذهبنا وأتينا بإنسان من خارج الأرض من الفضاء, ووضعناه في مكان ووضعنا أمامه كوباً وسكيناً وخبزاً أو ما أشبه ذلك، ما الذي يمكن أن يفهمه هذا الإنسان مهما كان ذكياً أو عاقلاً من وجود هذه الأشياء؟! لماذا أتوا بهذا المثال؟ لأن العشاء المقدس؛ العشاء الرباني في الكنيسة يعتمد على الخمر والسكين والخبز مثلاً، فالأدوات هذه موجودة؛ لكن ما دلالة الأداة على أن هذا قربان مقدس تفعله الكنيسة وتعتقد فيه، كما هي عقيدتها الباطلة أن المسيح عليه السلام أمرهم به, وأنه قال: الخمر دمي فاشربوه, والخبز لحمي فكلوه حتى تمتلئوا مني.
الأمر العقلي بعيد جداً، ودلالة الآلات أو الأشياء الحجرية الموجودة في عصور ما قبل التاريخ -إذا كانت حجارة أو عظاماً أو ما أشبه ذلك- بعيدة جداً عن أن تدلنا على ما كان يعتقد هؤلاء, وما الذي كانوا يؤمنون به؛ فلا تدلنا الآلات أبداً على العقائد؛ لكن هناك افتراضات وهناك تأويلات، وهناك بعض الأمور التي تدل على شيء.
ذكر هو مثالاً ظريفاً ومفيداً جداً يقول: لم يوجد في كل رسوم ما قبل التاريخ الحيوانية -على كثرة ما رسم من الحيوانات وخاصة الثور البري البيسون وما أشبهه- على الإطلاق تصوير للأعضاء التناسلية للحيوان أو طريقة التناسل! إما أنها كانت تطمس عمداً أو أنها لا تكتب؛ فلا نستطيع أن ندرس الحيوانات أو الكائنات القديمة أو الإنسان القديم ونظرته الجنسية أو الحيوانات من ناحية جنسية؛ لأنها كانت إما تمحى عمداً أو أنها لا تكتب.
معنى ذلك: نستطيع أن نفهم من ذلك أن الطهارة والفضيلة والعفة والبعد عن الفحش فطرة موجودة، ولم يستطيعوا -ولله الحمد- أن يثبتوا شيئاً خلاف ذلك.
المقصود هنا: هو بُعد المسافة بين دلالة مصادر المعرفة التي هي الأدوات البسيطة على حقيقة الدين؛ ما الذي كان يدينون به؟
ونحن نستطيع أن نؤكد أمراً آخر؛ وهو أن هذه الأدوات تدل على أنه يوجد دين, وهذه حقيقة لا يكاد ينكرها أحد؛ ولكن لتأكيدها نقول: إن هذه الأمور التي هي من تراث العصر الحجري يدل على التدين.
على سبيل المثال: القبور! هناك قبور معروفة قديمة جداً موجودة في العالم كله، وهناك طريقة الدفن, وهناك توجه القبور؛ كما يؤكد مرسيا إيلاد أن القبور القديمة كثير منها كانت توجه إلى جهة الشمس! فهل هذه عبادة الشمس؟!
وكذلك ما يوضع مع الميت من أدوات، هذه أيضاً يمكن أن تدلنا على أن هناك ديناً، وهو مرتبط بأديان موجودة الآن في العصر المصري القديم -هذا شيء معروف جداً لعلنا نأتي لموضوعه بالتفصيل- هناك علاقة عندهم بين الحياة الأخرى وبين ما كان يستخدمه الإنسان من أدوات فتدفن معه، وكذلك في اليابان كما فعلوا مع الإمبراطور وغير ذلك.
إذاً: هناك ارتباط مفهوم حياة أخرى, مفهوم دين, تدلنا عليه هذه الآثار أو البواقي الموجودة في القبور، وأدوات الميت أو طريقة الدفن، فيمكن أن نقول باختصار بأن الشعائر الجنائزية تدلنا على أن هناك ديناً.
لكن هل تدل على دين معين دون دين آخر؟!
وهل يمكن أن تدلنا على أن الأصل في الناس هو الشرك والكفر والإلحاد وعدم معرفة الله إلى أن تطوروا فعرفوا الله تبارك وتعالى؟!
لا يمكن ذلك أبداً بأي شكل من الأشكال.